فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: خوفًا للمسافر وطمعًا للمقيم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
قال قتادة: فالمسافر خاف أذاه ومشقَّته والمقيم يرجو منفعته.
والثاني: خوفًا من الصواعق وطمعًا في الغيث، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
والثالث: خوفًا للبلد الذي يخاف ضرر المطر وطمعًا لمن يرجو الانتفاع به، ذكره الزجاج.
والرابع: خوفًا من العقاب وطمعًا في الثواب، ذكره الماوردي.
وكان ابن الزبير إِذا سمع صوت الرعد يقول: إِن هذا وعيد شديد لأهل الأرض.
قوله تعالى: {وينشئ السحاب الثقال} أي: ويخلق السحاب الثقال بالماء.
قال الفراء: السحاب، وإِن كان لفظه واحدًا، فانه جمع واحدته سحابة، جُعل نعته على الجمع، كما قال: {متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} [الرحمن 76] ولم يقل: أخضرَ، ولا حسنٍ.
قوله تعالى: {ويسبِّح الرعد بحمده}
فيه قولان:
أحدهما: أنه اسم الملَك الذي يزجر السحاب، وصوته: تسبيحه، قاله مقاتل.
والثاني: أنه الصوت المسموع.
وإِنما خُص الرعد بالتسبيح، لأنه من أعظم الأصوات.
قال ابن الأنباري: وإِخباره عن الصوت بالتسبيح مجاز، كما يقول القائل: قد غمَّني كلامك.
قوله تعالى: {والملائكة من خيفته} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى الله عز وجل، وهو الأظهر.
قال ابن عباس: يخافون الله، وليس كخوف ابن آدم، لا يعرف أحدهم مَنْ على يمينه ومَنْ على يساره، ولا يَشْغَله عن عبادة الله شيء.
والثاني: أنها ترجع إِلى الرعد، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في أربد بن قيس، وعامر ابن الطُفَيل، أتيا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان الفتك به، فقال: «اللهم اكفنيهما بما شئت»، فأما أربد فأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاحٍ فأحرقته، وأما عامر فأصابته غُدّة فهلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، هذا قول الأكثرين، منهم ابن جريج، وأربد هو أخو لبيد بن ربيعة لأُمه.
والثاني: أنها نزلت في رجل جاء إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حدِّثني يا محمد عن إِلهك، أياقوت هو؟ أذهبٌ هو؟ فنزلت على السائل صاعقة فأحرقته، ونزلت هذه الآية، قاله عليّ عليه السلام.
قال مجاهد: وكان يهوديًا.
وقال أنس بن مالك: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى بعض فراعنة العرب يدعوه إِلى الله تعالى فقال للرسول: وما الله، أمِن ذهب هو، أم مِن فضة، أم من نحاس؟ فرجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «ارجع إِليه فادعه»، فرجع، فأعاد عليه الكلام، إِلى أن رجع إِليه ثالثة، فبينما هما يتراجعان الكلام، إِذ بعث الله سحابة حيال رأسه، فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه، ونزلت هذه الآية.
والثالث: أنها في رجل أنكر القرآن وكذَّب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة.
قوله تعالى: {وهم يجادلون في الله} فيه قولان:
أحدهما: يكذِّبون بعظَمة الله، قاله ابن عباس.
والثاني: يخاصِمون في الله، حيث قال قائلهم: أهو من ذهب، أم من فضة؟ على ما تقدم بيانه.
قوله تعالى: {وهو شديد المحال} فيه خمسة أقوال:
أحدها: شديد الأخذ، قاله عليّ عليه السلام.
والثاني: شديد المكر، شديد العداوة، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: شديد العقوبة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وقال مجاهد في رواية عنه: شديد الانتقام.
وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة والمكر والنكال، وأنشد للأعشى:
فَرْعُ نَبْعٍ يهتزُّ في غُصُن المج ** د، غزيرُ النَّدى، شديدُ المِحال

إِن يُعاقِب يكُنْ غَرامًا وإِن يُعْ ** طِ جَزيلًا فإنَّهُ لا يُبالي

وقال ابن قتيبة: شديد المكر واليد، وأصل المحال: الحيلة.
والرابع: شديد القوَّة، قاله مجاهد.
قال الزجاج: يقال ما حلتُه مِحالًا: إِذا قاويته حتى تبيَّن له أيكما الأشد، والمَحَل في اللغة: الشدة.
والخامس: شديد الحقد، قاله الحسن البصري فيما سمعناه عنه مسندًا من طرق، وقد رواه عنه جماعة من المفسرين منهم ابن الأنباري، والنقاش، ولا يجوز هذا في صفات الله تعالى.
قال النقاش: هذا قول مُنكرٌ عند أهل الخبر والنظر في اللغة لا يجوز أن تكون هذه صفةً من صفات الله عز وجل.
والذي أختاره في هذا ما قاله عليّ عليه السلام: شديد الأخذ، يعني: أنه إِذا أخذ الكافر والظالم لم يفلته من عقوباته.
قوله تعالى: {له دعوة الحق}
فيه قولان:
أحدهما: أنها كلمة التوحيد، وهي لا إِله إِلا الله، قاله عليّ، وابن عباس، والجمهور، فالمعنى: له من خَلقه الدعوة الحق، فأضيفت الدعوة إِلى الحق، لاختلاف اللفظين.
والثاني: أن الله عز وجل هو الحق، فمن دعاه دعا الحق، قاله الحسن.
قوله تعالى: {والذين يدعون من دونه} يعني: الأصنام يدعونها آلهة.
قال أبو عبيدة: المعنى: والذين يدعون غيره من دونه.
قوله تعالى: {لا يستجيبون لهم} أي: لا يجيبونهم.
قوله تعالى: {إِلا كباسط كفَّيه إِلى الماء} فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه العطشان يمدُّ يده إِلى البئر ليرتفع الماء إِليه وما هو ببالغه، قاله عليّ عليه السلام، وعطاء.
والثاني: أنه الرجل العطشان قد وضع كفَّيه في الماء وهو لا يرفعهما، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: أنه العطشان يرى خياله في الماء من بعيد، فهو يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: أنه الرجل يدعو الماءَ بلسانه ويشير إِليه بيده فلا يأتيه أبدًا، قاله مجاهد.
والخامس: أنه الباسط كفَّيه ليقبض على الماء حتى يؤدِّيَه إِلى فيه، لا يتم له ذلك، والعرب: تقول من طلب مالا يجد فهو القابض على الماء، وأنشدوا:
وإِنِّي وإِيَّاكم وشَوْقًا إِليكُمُ ** كقابضِ ماءٍ لم تَسِقْهُ أنامِلُهْ

أي: لم تحمله، والوَسْق: الحِمْلُ، وقال آخر:
فأصبحتُ مما كان بَيْني وبَيْنَها ** مِنَ الوُدِّ مِثْلَ القَابِضِ الماءَ باليَدِ

هذا قول أبي عبيدة، وابن قتيبة.
قوله تعالى: {وما دعاء الكافرين إِلا في ضلال} فيه قولان:
أحدهما: وما دعاء الكافرين ربَّهم إِلا في ضلال، لأن أصواتهم محجوبة عن الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: وما عبادة الكافرين الأصنامَ إِلا في خسران وباطل، قاله مقاتل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئ السحاب الثقال} أي بالمطر.
و{السَّحاب} جمع، والواحدة سَحَابة، وسُحُب وسَحَائب في الجمع أيضًا.
{وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصواعق} قد مضى في البقرة القول في الرعد والبرق والصواعق فلا معنى للإعادة؛ والمراد بالآية بيان كمال قدرته؛ وأن تأخير العقوبة ليس عن عجز؛ أي يريكم البرق في السماء خوفًا للمسافر، فإنه يخاف أذاه لما يناله من المطر والهول والصواعق؛ قال الله تعالى: {أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ} [النساء: 102] وطمعًا للحاضر أن يكون عقِبه مطر وخِصْب؛ قال معناه قَتَادة ومجاهد وغيرهما.
وقال الحسن: خوفًا من صواعق البرق، وطمعًا في غيثه المزيل للقحط.
{وَيُنْشِئ السَّحَّابَ الثِّقَالَ} قال مجاهد: أي بالماء.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} من قال إن الرّعد صوت السحاب فيجوز أن يُسبّح الرعد بدليل خلق الحياة فيه؛ ودليل صحة هذا القول قوله: {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} فلو كان الرّعد مَلَكًا لدخل في جملة الملائكة.
ومن قال إنه ملك قال: معنى.
{مِنْ خِيفَتِهِ} من خيفة الله؛ قاله الطَّبَريّ وغيره.
قال ابن عباس: إن الملائكة خائفون من الله ليس كخوف ابن آدم؛ لا يعرف واحدهم مَن على يمينه ومَن على يساره، لا يشغلهم عن عبادة الله طعام ولا شراب؛ وعنه قال: الرّعد ملَك يَسوق السّحاب، وإن بخار الماء لفي نُقْرة إبهامه، وأنه مُوَكّل بالسّحاب يصرفه حيث يؤمر، وأنه يسبّح الله؛ فإذا سبّح الرّعد لم يبق مَلَك في السّماء إلا رفع صوته بالتّسبيح، فعندها ينزل القَطْر، وعنه أيضًا كان إذا سمع صوت الرّعد قال: سبحان الذي سَبَّحَت له.
وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه أنه كان إذا سمع صوت الرّعد قال: سبحان الذي يُسَبِّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد.
وقيل: إنه مَلَك جالس على كرسيّ بين السماء والأرض، وعن يمينه سبعون ألف مَلَك، وعن يساره مثل ذلك؛ فإذا أقبل على يمينه وسبّح سبّح الجميع من خوف الله، وإذا أقبل على يساره وسَبّح سَبَّح الجميع من خوف الله.
{وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ} ذكر الماورديّ عن ابن عباس وعليّ بن أبي طالب ومجاهد: نزلت في يهوديّ قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أخبرني مِن أيّ شيء ربّك، أمِن لؤلؤ أم من ياقوت؟ فجاءت صاعقة فأحرقته.
وقيل: نزلت في بعض كفّار العرب؛ قال الحسن: كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي صلى الله عليه وسلم نَفَرًا يدعونه إلى الله ورسوله والإسلام فقال لهم: أخبروني عن ربّ محمد ما هو، ومِمّ هو، أمِن فضة أم من حديد أم نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته؛ فقال: أُجِيبُ محمدًا إلى ربّ لا يعرفه! فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه مرارًا وهو يقول مثل هذا؛ فبينا النَّفَر ينازعونه ويدعونه إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وأبرقت ورمت بصاعقة، فأحرقت الكافر وهم جلوس؛ فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبلهم بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: احترق صاحبكم، فقالوا: من أين علمتم؟ قالوا: أوحى الله إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}.
ذكره الثعلبي عن الحسن؛ والقشيري بمعناه عن أنس، وسيأتي.
وقيل: نزلت الآية في أربد بن ربيعة أخي لَبيد بن ربيعة، وفي عامر بن الطُّفَيْل؛ قال ابن عباس: أقبل عامر بن الطُّفَيْل وأَرْبَد بن ربيعة العامريان يريدان النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد، فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس؛ فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هذا يا رسول الله عامر بن الطُّفَيْل قد أقبل نحوك؛ فقال: «دَعْه فإن يُرِد الله به خيرًا يَهْدِه» فأقبل حتى قام عليه فقال: يا محمد ما لي إن أسلمت؟ فقال: «لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين».
قال: أتجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: «ليس ذاك إليّ إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء».